جيش الرجل الواحد – قصة حقيقية معاصرة وملهمة

رجل لوحده مضى بقريته من الفقر المدقع إلى حياة النعيم، من قرية لا مال، ولا غذاء، ولا تعليم، حوَّلها بساعديه وقوة إرادته رأسا على عقب, مصطلح جيش الرجل الواحد، ما يعني أنه شخص واحد قادر على تحريك الجبال حرفيا إذا لزم الأمر، وقادر على تغيير حياة العشرات من الناس.

هونغ دافا رجل صيني أمضى 36 عاما من حياته في حفر قناة مائية بطول 10 كيلومترات عبر ثلاثة جبال في أعماق مقاطعة كويتشو الصينية، فما هي قصة العجوز هةنغ دافا، الملقب بأمل المياه؟

هذا الرجل أثبت أنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل، بالنسبة لشخص عقد العزم في تحديه، بدأت القصة في عام 1959 عندما عاد الشاب دافا الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 23 عاما إلى قريته بعد إنهائه الدراسة في المدينة، أمَّا قريته كوانغابا المختفية في أعماق الجبال، كانت تعيش الفقر المدقع، لا مياه، ولا غذاء، ولا كهرباء، ولا طرقات، فالقرية البائسة عزلتها الجبال الشاهقة والوعرة عن الحضارة الحديثة، وعانى أهلها الجوع والحرمان، ولم ينقذهم من المجاعة سوى القليل من البطاطس والذره، وبئر واحدة كانت تجف عاما بعد عام، وبالكاد تُؤمِّن مياه كافية لطهي الطعام.

فالصين التي زرعت الأرز قبل نحو 10 آلاف سنة كانت، ولكن هذه المأساة بدأت نهايتها بسواعد هذا البطل الذي يبلغ الآن 83 عاما، فكيف تحول الحلم إلى حقيقة؟ .. في البداية بدأ بإقناع أهل القرية بجلب الماء من قرية قريبة تبعد عنهم بضعة كيلومترات، لكن يفصلها عنهم ثلاثة جبال، فانتخبه الأهالي عمدة لقريتهم، لكن أخبروه أن مشروعه مستحيل، ومع ذلك لم يتراجع فحفر لوحده أول 100 متر دون أية مساعدة، فاستغرق الأمر أكثر من 5 سنوات حتى بدأ السكان يؤمنون فعليا بالخطة المجنونة بعد ملاحظتهم التغييرات في الجبل.

في ظل ظروف بالغة الخطورة قاد دافا الفريق في أصعب وأخطر المهام، فهو أول من ربط نفسه بجذع شجرة أعلى الجرف، حيث يبلغ ارتفاعه 300 متر، ليشجع على الخطوة الأولى في الحفر، فبدأ الناس يتشجعون لمساعدته سنة بعد سنة، حتى وصل عددهم إلى 300 شخص في نهاية المطاف، وبعد 10 سنوات تمكَّنوا من حفر نفق بطول 200 متر عبر الجبل باستخدام أدوات بدائية، وقد أدرك جافا حينها بضرورة دراسة مجاري الأنهار وأنظمة الريّ، فقضى السنوات المقبلة في دراسة هندسة المياه في البلدة المجاورة، ليعود في أوائل التسعينيات للحفر من جديد، ومعه حوالي 12 ألف دولار، تمكَّن من تحصيلها في إدارة المقاطعة دعما لمشروعه.

في سنة 1995 وبعد جهد جهيد أنجز وفريقه قناة المياه، التي يبلغ طولها 7200 متر، والقناة الفرعية التي يبلغ طولها 2200 متر، وهذه القناة التي تعبر 3 جبال، و10 تلال، و3 قرى، بدأت بالعمل، وحقق دافا هدفين إضافيين، هما الكهرباء والطرقات، فساعد 2000 شخص من سكان قريته، و 7000 شخص من سكان القرى المجاورة، وبدأ الجميع أخيرا بزراعة الأرز بما يعادل 500 ألف كلغ سنويا، إضافة لتربية المواشي، وحوالي 60 هكتارا من الأراضي الخصبة المروية، كما تحسنت نوعية حياة الناس، فحصل الأطفال على التعليم أخيرا.

هذه السعادة الكبرى التي أحدثها دافا في حياة آلاف البشر، دفعها ثمنا من سنين عمره التي قضاها في الجبال، حتى أن ابنته وحفيده توفيا دون أن يكون بجانبهما.