يوم القيامة، المعركة الفاصلة، نهاية العالم، يوم الحساب، يوم الحشر ونهاية الجنس البشري جميعها مصطلحات تعبّر عن دمار كوكب الأرض وانتهاء الحياة عليه، ولحسن حظّنا، فإنّ الكلمات التي تعبّر عن انتهاء الحياة على الأرض تزيد كثيراً عن عدد اللحظات التي كاد أن يزول فيها العالم فعلياً.
حاول الناس عبر التاريخ توقع اليوم الذي ينتهي فيه العالم، ويتنبأ حالياً الباحث الديني “إيان جورني” أن تكون سنة 2023 آخر سنوات الجنس البشري، وقبل أن يصاب الجميع بالذعر والخوف من تلك التنبؤات دعونا نعزّي أنفسنا بأنّ نسبة نجاح جميع التنبؤات بموعد نهاية العالم على مر العصور كانت 0%.
فيما يلي خمسة أمثلة على لحظات ظنّ العالم أنّها نهاية البشرية:
1. البابا إنوسنت الثالث ونهاية العالم بعد الحروب الصليبية 1284
عُرف البابا إنوسنت الثالث بقوّته فكان من أقوى البابوات في العصور الوسطى، وقد استمر حكمه من عام 1198 إلى عام 1216 ميلادي.
توسع نطاق الحروب الصليبية بشكل كبير وسعى البابا إنوسنت الثالث بلا كلل ولا ملل لاستعادة الأراضي المقدسة، ولكنّه رفض الطريقة الوحشية التي تعامل بها الصليبيون في حملاتهم.
تنبأ البابا إنوسنت الثالث قبل وفاته عام 2016 بموعد نهاية العالم والظهور الثاني للمسيح، وربط الأمر بشكل أساسي بانتصارات المسلمين وفتوحاتهم، فقد اعتبر التوسع المتزايد للإسلام بأنّه عهد المسيح الدجال، وأنّ نهاية الحياة أصبحت وشيكة.
“إننا نضع كامل ثقتنا في الرب الذي أخبرنا سابقاً أنّ الخير سينتصر، وأنّ نهاية الشر قادمة لا محالة”
وفقاً لوحي القديس يوحنا فإنّ الحياة على الأرض ستنتهي بعد (666) سنة من ظهور الإسلام، وكان قد مرّ منها حوالي 600 سنة في ذلك الوقت.
تنبّأ البابا إنوسنت الثالث أنّ نهاية العالم ستكون بعد (666) سنة من ظهور الإسلام، وعلماً أن رسالة الإسلام بدأت عام 618 ميلادي، فيسكون موعد الظهور الثاني للمسيح عام 1284 وفقاً لتنبؤه.
2. يوهانس شتوفلر ونهاية العالم بالفيضان الكبير 1524
في عام 1499 توقّع الفلكي وعالم الرياضيات الألماني “يوهانس شتوفلر” حدوث فيضان كبير سيقضي على العالم بأثره في تاريخ 20 شباط/فبراير عام 1524، واستند كلامه على علوم الأبراج والارتباطات بين الكواكب والتي كان من المتوقع أن تحدث عام 1524.
نُشر ما يزيد عن 100 كتاب حول تنبؤات العالم “يوهانس شتوفلر” في جميع أنحاء أوروبا، فأصيب الناس بالهلع وبدؤوا ببناء القوارب والسفن تحضيراً للفيضان، وصمم أحد النبلاء الألمان “الكونت فون إغلهايم” سفينة ضخمة من ثلاثة طوابق على نهر الراين في ألمانيا.
وفي يوم النهاية المتوقع، بدأت الأمطار الخفيفة تتساقط، فتدافع الناس للصعود على متن سفينة النبيل “إغلهايم” واندلعت أعمال الشغب بينهم، مما أدّى إلى وفاة الكثيرين، ومن بينهم “إغلهايم” الذي رُجم بالحجارة حتى الموت.
ولحسن الحظ انتهت الأمور عند ذلك فقط، لم يحدث شيء سوى ذلك المطر الخفيف، فأعاد العالم “يوهانس شتوفلر” حساباته وحدد موعد الفيضان في عام 1528، ولكن سمعته أصبحت سيئة جدّاً في ذلك الوقت ولم يصدّق أحد كلامه.
3. ميليريتس (أتباع ميلر) 1843-1844
بدأ الوزير الأمريكي “وليام ميلر” حركة دينية في منتصف القرن التاسع عشر أطلق عليها اسم “ميلريسم”، ونشر أوراقه ضمن مختلف مناطق أمريكا الشمالية وهو ما ساعده على نيل دعم الناس للوقوف إلى جانبه وتصديق معتقداته.
ونظراً للنمو السريع لهذه الحركة الدينية فقد توقع “ويليام ميلر” أنّ الظهور الثاني للمسيح سيكون في عام 1843 أو 1844 كأبعد تقدير، حينها ستنتهي الحياة البشرية، ستلتهم النار الأرض بأكملها ويموت الكثيرون عليها، بينما ستصعد القلّة المختارة إلى السماء بجانب السيد المسيح.
استمد “ميلر” أفكاره من دراسته للفصل الثامن من كتاب دانيال، والذي يوضح النبوءة كالتالي: “خلال ألفين وثلاثمئة يوم، سيُطهّر الحرم”.
بلغ عدد المؤمنين بحركة “ميلر” حوالي 500 ألف شخص، جميعهم صدّقوا تنبّؤه بنهاية العالم في عام 1843 – 1844.
ولكن عندما مرّ التاريخ المتوقع وانتهى دون ظهور السيد المسيح فقد قل الإيمان داخل حركة “ميلريسم” الدينية وأصبحت تُعرف باسم “خيبة الأمل الكبرى”.
4. نهاية البشرية بسبب المذنب “هالي” 1910
اكتشف الفلكي الإنجليزي “إدموند هالي” في منتصف القرن الثامن عشر مذنباً أطلق عليه اسمه “المذنب هالي”، يُرى هذ المذنب لفترة قصيرة كلّ 75-79 سنة، حيث شوهد في عام 1835 وعام 1910 وكذلك عام 1986.
وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فقد خرجت الأمور عن السيطرة في جميع أنحاء العالم في الفترة التي سبقت ظهور المذنب في عام 1910، إذ ظنّ الناس أنّ المذنب سيصطدم بالأرض ويؤدّي إلى نهاية العالم، وقد ظهر هذا التوقع بعد اكتشاف غاز سامّ في ذيل المذنب اسمه “السيانوجين”.
توقع علماء الفلك أنّ المذنب سيكون قريباً من الأرض لحظة مروره عام 1910، وأعلن الفلكي الفرنسي “كاميل فلاماريون” أنّ الغلاف الجوي سيمتلئ بالغاز السام الموجود في ذيل المذنب “هالي”، وربما يقضي على جميع أشكال الحياة على كوكب الأرض، وقد أدّت هذه الأنباء إلى هيستيريا بين جميع سكان الأرض.
ونتيجة لذلك ارتفعت عملية بيع الأقنعة الواقية من الغازات بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، واستغلّ بعض ضعاف النفوس الفرصة للتسويق لمنتجاتهم مثل المظلات المضادة للمذنب وغيرها من المنتجات عديمة الفائدة.
وفي النهاية، مرّ المذنب هالي بجوار الأرض دون أن يسبب أيّ ضرر.
5. تقويم المايا 2012
لقد كانت حضارة “المايا” الحضارة الأكثر تطوّراً في أمريكا الجنوبية قبل وصول البحار “كريستوفر كولومبوس” إليها، وقد وصلت إلى ذروة تطوّرها في القرن السادس الميلادي، إذ لم يكتف سكان المايا بتطوير اللغة المكتوبة فقط، بل كان من بينهم علماء فلك ورياضيات، وكانوا قد طوّروا تقويماً منظّماً ودقيقاً لدرجة لا تصدق.
ينتهي التقويم الذي وضعته حضارة “المايا” في 21 كانون الأول/ديسمبر عام 2012 ميلادي، بعد دورة استمرت 5126 يوماً، وقد فسّر الكثيرون أنّ نهاية هذه الدورة تعني نهاية العالم، وساعد انتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وسهولة الوصول إليها إلى نشر هذه المعلومة بين الناس بشكل مرعب، وكلّما اقترب الموعد المنشود زاد الخوف بين جميع سكان العالم.
ورغم ذلك فقد دحض الخبراء هذه الأفكار وذكروا أنّه حتى أفراد حضارة المايا أنفسهم لم يقرّوا بأنّ نهاية الدورة في تقويمهم ستكون نهاية العالم، إنّها فقط انتهاء دورة تاريخية وبداية دورة أخرى وفقاً لتقويمهم، وكل ما يحدث هو مجرّد سوء فهم.