تم العثور على جثة الشابة اليسا لام في أحد خزانات المياه التابعة لفندق (سيسيل) سيئ السمعة في لوس أنجلوس، وذلك في عام 2013م، والجدير بالذكر أنه حتى يومنا هذا لا أحد يعرف كيف ماتت (لام) أو كيف وصلت جثتها إلى خزان المياه.
قالت (لوليتا لوبيز) وهي مراسلة NBC: ”بعد 22 عاماً من القيام بهذه المهمة كمراسل صحفي، هذه إحدى الحالات التي أثرت في نوعاً ما، لأننا لا نعرف من وماذا ومتى وأين؟“ وذلك في إشارة منها إلى قصة الوفاة الغامضة (لإليسا لام).
الغريب في الأمر أنه لا أحد يعرف كيف ماتت (إليسا لام) بالضبط حتى يومنا هذا، فكل المعلومات المتوفرة عن القصة أن طالبة جامعية كندية تبلغ من العمر 21 عاماً، كانت قد شوهدت آخر مرة في فندق (سيسيل) في لوس أنجلوس في 31 يناير عام 2013م، ولكن فيديو المراقبة الفظيع الذي تقشعر له الأبدان والذي التقط اللحظات الأخيرة قبل اختفائها –ناهيك عن التفاصيل الأخرى التي ظهرت منذ ذلك الحين– أثار أسئلة أكثر من الإجابات، فمنذ اكتشاف جثتها في خزان مياه الفندق في 19 فبراير من العام نفسه، ظل موتها المأساوي محاطًاً بالكثير من الغموض.
على الرغم من أن مكتب الطبيب الشرعي قضى بوفاتها على أنها ”غرق عرضي“، إلا أن التفاصيل الغريبة لقضية اليسا لام أثارت تكهنات واسعة النطاق حول ما قد حدث معها بالفعل، وتوصل العديد من المتحرّين إلى عدد لا يحصى من النظريات حول هذه المأساة، والتي تشمل كل شيء من مؤامرات القتل إلى الأرواح الشريرة، ولكن السؤال الأبرز يبقى: ما هي القصة الحقيقية لاختفاء الشابة؟
اختفاء اليسا لام
وصلت (إليسا لام) إلى لوس أنجلوس في 26 يناير 2013م على متن قطار (امتراك) من سان دييغو وتوجهت إلى (سانتا كروز) كجزء من رحلتها الفردية حول الساحل الغربي، وكان من المفترض أن تكون هذه الرحلة بمثابة استراحة من دراستها في جامعة British Columbia في (فانكوفر).
كانت عائلة (لام) تشعر بالقلق من سفرها لوحدها، ولكن الطالبة الشابة كانت مصممة على الذهاب وحدها، كما أنها اتفقت مع أهلها على أن تقوم بمراسلتهم يومياً ليعرفوا أنها بخير. ولكن جاء يوم 31 يناير مخالفاً للاتفاق السابق، فلم يسمع أهل (لام) عنها شيئاً في ذلك اليوم، والجدير بالذكر أن ذلك اليوم كان من المفترض أن يكون اليوم الذي تغادر فيه فندق (سيسل)، وبعد أن سيطر القلق على أهل الشابة، قاموا بالاتصال بإدارة شرطة لوس أنجلوس، حيث قامت الشرطة بدورها بتفتيش مبنى (سيسيل) لكنهم لم يتمكنوا من العثور عليها.
اختفت (إليسا لام) أثناء إقامتها في فندق (سيسيل) في لوس أنجلوس
سرعان ما نشرت الشرطة لقطات مراقبة مأخوذة من الكاميرات في فندق (سيسيل) على موقعها على الإنترنت، حيث بدأت الأمور تأخذ منحى غريباً جداً، فقد أظهر شريط فيديو الفندق ليسا لام في أحد المصاعد في تاريخ يوم اختفائها وهي تتصرف بغرابة، حيث يمكن رؤيتها وهي تدخل إلى المصعد تدفع جميع أزرار الأرضية، ثم تدخل إلى المصعد وتخرج منه، وهي تنظر من المصعد عدة مرات أخرى قبل أن تخرج منه تماماً.
وتظهر الدقائق الأخيرة من الفيديو اليسا لام وهي تقف على الجانب الأيسر من الباب، وتحرك يديها في إيماءات عشوائية، وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتم التقاط أي شخص آخر في الفيديو باستثناء (لام)، وحصد الفيديو الذي استمر أربع دقائق عشرات الملايين من المشاهدات.
اكتشاف جثة اليسا لام
عثر عامل الصيانة (سانتياغو لوبيز) على جثة ليسا لام عائمة في أحد خزانات المياه في الفندق في 19 فبراير، أي بعد أسبوعين من نشر السلطات للفيديو، حيث اكتشف (لوبيز) هذا الأمر المروع بعد الرد على شكاوى من زبائن الفندق حول انخفاض ضغط المياه، ووجود طعم غريب في ماء الصنبور.
اضطر العاملون إلى تفريغ الخزان الذي تم العثور على جثة اليسا لام فيه بالكامل، وفقاً لبيان رئيس إدارة المطافئ في لوس أنجلوس، ثم فتحه من الجانب لإزالة الجثة التي يبلغ طولها 162 سنتمترًا، والحقيقة أنه لا أحد يعرف كيف انتهت جثة اليسا لام –التي تطفو بلا حياة بجوار نفس الملابس التي كانت ترتديها في فيديو المراقبة– في خزان المياه في الفندق، أو السؤال الأبرز من قد يكون متورطًاً أيضاً؟ وقد قال موظفو الفندق للسلطات أنهم رأوا اليسا بمفردها عدة مرات في محيط الفندق.
لم تثر نتائج تشريح جثة اليسا لام سوى المزيد من الأسئلة، حيث أكد تقرير السموم أن اليسا قد استهلكت عدداً من الأدوية الطبية، ومن المحتمل أن تكون أدوية تستخدم للاضطراب ثنائي القطب، ولكن لم تكن هناك مؤشرات على وجود كحول أو مواد غير مشروعة في جسدها.
بدأ بعض المتحرّون الهواة بالبحث عن أي معلومات يمكنهم العثور عليها على أمل حل اللغز وراء وفاة اليسا لام، وذلك بعد وقت قصير من صدور تقرير السموم، فعلى سبيل المثال تم نشر ملخص واحد لتقرير السموم على الإنترنت، وأشار التقرير إلى ثلاث ملاحظات رئيسية: أولاً تناولت اليسا دواءً واحداً على الأقل مضاداً للاكتئاب في ذلك اليوم، ثانيًا تناولت مؤخراً مضاد للاكتئاب ومثبت للمزاج ولكن ليس في يوم اختفائها، ثالثًا لم تتناول اليسا مضادات الذهان مؤخراً، وأشارت الاستنتاجات السابقة إلى أن اليسا التي تم تشخيصها باضطراب ثنائي القطب والاكتئاب، ربما لم تتناول أدويتها بشكل صحيح.
ومن النتائج المهمة التي يجب ملاحظتها، أن استخدام مضادات الاكتئاب لعلاج الاضطراب ثنائي القطب يمكن أن يؤدي إلى إحداث آثار جانبية، تشمل الهوس إذا تم أخذ الدواء دون التقيد بتعليمات الطبيب المعالج، ونتيجة لتلك الملاحظة علق بعض الأشخاص بشكل كبير على هذه التفاصيل، واقترحوا أنه تفسير محتمل وراء سلوك اليسا لام الغريب في المصعد.
دعمت تصريحات مديرة الفندق (آمي برايس) في المحكمة تلك النظرية بقوة، حيث أوضحت أن اليسا لام أقامت في غرفة مشتركة مع آخرين في فندق (سيسيل)، ولكن سلوكها الغريب أثار شكوى زملائها، مما أدى إلى انتقالها إلى غرفة خاصة تقيم فيها بنفسها، ولكن حتى لو كانت (إليسا لام) تعاني من مشاكل صحية عقلية، فكيف انتهى بها الحال في خزان مياه الفندق؟
لم يظهر تشريح الجثة أي خطأ من الأدلة التي تمت معالجتها، لكن مكتب الطبيب الشرعي لاحظ أنهم لم يتمكنوا من إجراء فحص كامل، بسبب عدم تمكن الفريق الطبي من فحص دم (لام) لأن جثتها كانت متحللة.
من المسؤول عن موت اليسا لام؟
قدم (ديفيد) و(يينا)، وهما والدا الضحية، دعوى قتل الخطأ ضد فندق (سيسيل) بعد عدة أشهر من الكشف عن وفاة ابنتهما، وقد ذكر محامي العائلة أنه كان يتعين على الفندق التفتيش والبحث عن جميع مصادر الخطر في الفندق التي كانت تشكل خطراً على اليسا وبقية نزلائه.
رد الفندق على الدعوى وقدم طلباً لرفضها، حيث أوضح محامي الفندق بأن إدارة الفندق ليس لديها سبب للتفكير بأن شخصاً ما سيكون قادراً على الغرق في أحد خزانات المياه الخاصة بالفندق، واستناداً إلى بيانات المحكمة من موظفي الصيانة في الفندق، فإن حجة الفندق ليست بعيدة المنال تماماً، حيث وصف (سانتياغو لوبيز) الذي كان أول من عثر على جثة اليسا لام، بالتفصيل مقدار الجهد الذي بذله للعثور على جثتها.
شرح (لوبيز) أنه أخذ المصعد إلى الطابق الخامس عشر من الفندق قبل أن يصعد الدرج إلى السطح، بعد ذلك كان عليه أولاً إيقاف تشغيل المنبه الموجود على السطح والتسلق على المنصة حيث توجد خزانات المياه الأربعة في الفندق، وأخيراً كان عليه أن يصعد سلماً آخر للوصول إلى أعلى الخزان الرئيسي، حينما لاحظ شيئاً غير عادياً.
قال (لوبيز): “لاحظت أن الفتحة الموجودة في خزان المياه الرئيسي كانت مفتوحة، فنظرت إلى الداخل ورأيت امرأة آسيوية مستلقية على وجهها في الماء على بعد 12 بوصة تقريباً من أعلى الخزان“، وتشير شهادة (لوبيز) إلى أنه سيكون من الصعب على اليسا الوصول إلى أعلى خزان المياه بمفردها، ليس من دون أن يساعدها أحد على الأقل.
كما أوضح كبير مهندسي الفندق (بيدرو توفار) أنه سيكون من الصعب على أي شخص الوصول إلى السطح حيث توجد خزانات المياه في الفندق دون تشغيل أجهزة الإنذار، وكان بإمكان موظفي الفندق فقط إيقاف تشغيلها بشكل صحيح، وإذا تم تشغيلها فسيصل صوت المنبه إلى مكتب الاستقبال بالإضافة إلى الطابقين العلويين من الفندق بالكامل.
وفي نهاية الأمر حكم قاضي المحكمة العليا في لوس انجليس (هوارد هالم)، بأن وفاة اليسا لام كانت ”غير متوقعة“ ولا يمكن التنبؤ بها لأنها حدثت في منطقة لا يسمح للضيوف بالوصول إليها، لذلك تم رفض الدعوى.
تاريخ فندق (سيسيل) المخيف
لم يكن موت اليسا لام الغامض أول حادث في فندق (سيسيل)، فقد اكتسب ماضي المبنى سمعته كواحد من أكثر العقارات التي يفترض أنها مسكونة في لوس أنجلوس، فمنذ افتتاحه في عام 1927م سجل 16 حالة وفاة مختلفة غير طبيعية وأحداث خارقة غير مبررة، وإن أشهر وفاة مرتبطة بالفندق بخلاف (لام) حدثت في عام 1947م، وهي مقتل الممثلة (إليزابيث شورت) المعروفة أيضاً باسم (بلاك داليا)، والتي شوهدت تشرب في بار الفندق في الأيام التي سبقت وفاتها المروعة.
واستضاف الفندق أيضاً مجموعة من أكثر القتلة شهرة في البلاد، ففي عام 1985م عاش (ريتشارد راميريز) المعروف أيضًا باسم Night Stalker في الطابق العلوي من الفندق خلال فورة القتل الوحشية، وتقول القصة أنه بعد كل جريمة قتل، كان (راميريز) ينزع ملابسه الملوثة بالدماء خارج الفندق ويعود نصفه عارياً، وكان الفندق في ذلك الوقت في حالة من الفوضى، لدرجة أن تصرفات (راميريز) كانت بالكاد تثير الاستغراب، وبعد ست سنوات انتقل قاتل آخر إلى الفندق، وهو القاتل النمساوي (جاك أونترويغر) الذي كان يلقب بـVienna Strangler.
قد يعتقد المرء أن فندق سيسيل سيُدان مع مثل هذا التاريخ المروع، لكن الحقيقة أنه تم اعتبار المبنى القديم مؤخراً معلمًا تاريخيًا من قبل مجلس مدينة لوس أنجلوس، وذلك لأنه افتتح في العشرينيات الماضية الأمر الذي يعتبر بداية تجارة الفندقة في الولايات المتحدة.
من جانب آخر فقد ألهمت وفاة (إليسا لام) المأساوية في الفندق الكثير من الأعمال الثقافية الشعبية، من بينها مسلسل American Horror Story من إنتاج (ريان مورفي) وتحديداً الجزء الخامس الذي كان بعنوان ”الفندق“، وذكر (مورفي) خلال مؤتمر صحفي للعرض أن الموسم الجديد من المسلسل مستوحى من فيديو للمراقبة من فندق مقره لوس أنجلوس ظهر قبل عامين، حيث أظهر الفيديو فتاة قبل اختفائها بساعات قليلة، في إشارة واضحة إلى (إليسا لام) وقصة المصعد الغريبة.
كما تعرض في الآونة الأخيرة استوديو للألعاب للانتقادات الشديدة بعد أن وجد مستخدمو لعبة YIIK: A Postmodern RPG تشابهات لا يمكن إنكارها لقضية (لام) في القصة، ففي أحد مشاهد اللعبة تتلقى الشخصية الرئيسية (أليكس) فيديو يظهر شخصية أخرى تدعى سامي في مصعد، حيث تفتح الشخصية الأخيرة باب المصعد للكشف عن بُعد بديل على الجانب الآخر، ثم يتم القبض على سامي من قبل شيطان، ليركل ويصرخ طوال الوقت.
وفي مقابلة سنة 2016، تحدث (أندرو ألانسون) المؤسس الشريك لـAcck Studios، وهي الشركة التي تقف وراء لعبة YIIK، عن كيفية تأثير وفاة اليسا لام على قصة اللعبة قائلاً: ”لم تكن هناك حتى الآن قصة رسمية عنها، أتذكر في الأخبار المحلية أنهم أبلغوا عنها لأن الناس شربوا الماء الذي كانت تطفو فيه جثة، هذا أمر مؤسف ولكن ماذا عن الفتاة المسكينة التي ماتت؟ من السهل أن نقول أن اليسا لام لم تأخذ أدويتها، ولكن لماذا لا يستطيع الناس التفكير فيها أكثر كإنسان؟“
وبينما لا يزال الجواب على السبب وراء وفاة اليسا لام الغامضة غير واضح، فإن الهوس المحيط بهذا اللغز ظل في الرأي العام منذ ذلك الحين.