السفاح العراقي أبو طبر

إذا أعجبتك المقالة, يمكنك مشاركتها عبر صفحتك في مواقع التواصل الإجتماعي

“أبو طبر” ذلك السفاح القاتل الجزار المخيف الذي ظهر في بداية السبعينات الذي تحول الى بعبع مخيف استنفر الناس من أجله في حراسات ليلية ويقظة مستمرة أذهبت عنهم النوم خوفاً من القادم المجهول الذي اظهرته الاشاعات كأنه “قدر” لا يمكن تداركه.

كثيرة هي الإشاعات والروايات التي نسجها خيال الناس من سكان العاصمة بغداد والعديد من محافظات العراق أوائل السبعينات وتحديداً عامي 1973 و 1974 عن مجرم سفاح وحش أطلقوا عليه تسمية (أبو طبر) على أساس أنه يقتل ضحاياه بـآلة (الطبر) الحديدية ويغتصب النساء بعد قتلهن ولا يتورع عن ارتكاب جرائمه ليلاً أو نهاراً, وكان ماهرا بحيث لا يترك أثراً في مسارح الجرائم التي أرتكبها, وبدأ الناس مغادرة دورهم ليجتمعوا في دار أحد الأقارب وانخفضت أسعار الدور في الأحياء الراقية خاصة مناطق المنصور إلى سعر خيالي قياساً الى أسعارها الحقيقية أو ما كانت عليه قبل وقوع حوادث أبو طبر.

وكانت النفوس الخائفة المرعوبة جاهزة لتقبل كل الأقاويل والإشاعات وتضيف عليها, والذين عاشوا تلك الفترة تختزن ذاكرتهم الكثير من تلك الروايات والإشاعات والتهويلات التي تصاعدت مع كل جريمة تحصل, وكان مجرد صوت تحدثه قطة في حديقة منزل كافيا لانطلاق عشرات الإطلاقات النارية خشية من وجود (أبو طبر) في حديقة الدار, وحين كان أحد اللصوص يقع في قبضة الناس أو الشرطة كان يصرخ (يمعوّدين آني حرامي عادي, والله مو أبو طبر) خوفا مما سيناله من ضرب كي يقر بجرائمه لو كان أبو طبر.

ولم تنقطع عملية نسج الاشاعات والحكايات إلا حين وقع (أبو طبر) الحقيقي في قبضة رجال الشرطة ويظهر على شاشة التلفزيون يعترف بجرائمه, لكن الوقائع التي سردت من خلال الاعترافات التلفزيونية لم تقنع كثيرين من المثقفين والبسطاء على حد سواء, فهناك ثغرات بقيت مجهولة حول دوافع هذا الشخص وهل كانت هناك جهات معينة تقف وراءه أم أنه كان يرتكب جرائمه من منطلقات فردية ذاتية إشباعا لنزوة الجريمة والعنف في دواخله؟ وهل كان مدفوعاً من قبل أجهزة السلطة لتصفية الخصوم والمعارضين؟ وغير ذلك من التأويلات والتفسيرات.

من هو أبو طبر

أبو طبر

تقول الاضبارة الجنائية بالتسجيل الجنائي أن اسمه (حاتم كاظم هضم) مواليد 1932 قضاء المسيب بالحلة, أكمل الابتدائية عام 1946 والمتوسطة 1949 ودخل مدرسة المفوضين عام 1949 وتخرج منها عام 1951 برتبة مفوض, ونسب لشرطة لواء الحلة لكنه ما لبث أن فصل من الخدمة عام 1952 لأسباب مهنية ضبطية بالسنة ذاتها, عاد للدراسة وأكمل الثانوية عام 1953 والتحق بكلية القوة الجوية (الطيران سابقاً) لكنه ما لبث ان فصل منها عام 1956 وهو مازال في الصف الثالث منها كونه تسبب عمداً بإصابة طائرة التدريب بخلل نتيجة الطيش.

سافر بعدها للكويت عام 1957 للعمل الحر وعاد للعراق عام 1959 واشتغل بوظيفة محاسب جباية في دائرة أوقاف كركوك لكنه فصل منها لتسببه في إحداث أضرار بأموال الدولة, وحكمت عليه محكمة كركوك بالسجن لمدة سنتين ونصف ثم سافر إلى أوروبا عام 1962 وتنقل ما بين بلجيكا النمسا ألمانيا سويسرا اليونان إيطاليا والولايات المتحدة, واستقر طويلا في (ميونخ) بألمانيا الغربية حيث كان يعمل في تهريب السيارات والأسلحة من بلجيكا وألمانيا لليونان وتركيا وسوريا لحساب مهربين وتجار ألمان ويونانيين, كان يجيد إضافة للعربية اللغات الإنكليزية والألمانية والفارسية والكردية, ويشير سجله الجنائي أنه تم توقيفه عدة مرات خارج العراق بسبب التورط في حوادث الشجار أو انكشاف التهريب وحكم عليه في إحدى الدول الأوربية بالحبس لمدة عشرة أشهر عاد بعدها إلى العراق.

صحيفة أعماله الجنائية تقول أنه مجرم خطر يدخن بإفراط ويحتسي الخمور الإفرنجية والعرق, كان يهوى النساء ويقيم علاقات جنسية معهن وكان يفضل الطبيبات, وكان لا يتردد عن قتل ضحيته إذا امتنعت عن تلبية رغباته, قام عام 1970 بتزوير شهادة عدم محكومية لتفادي كشف محكوميته السابقة, إذ كان كلما يتقدم بطلب لشهادة عدم المحكومية تظهر سوابقه فيمنع من تلك الشهادة حتى تفتقت ذهنيته الإجرامية عن تزوير شهادة عدم محكومية حقيقية بوضع صورته عليها ومسح اسم صاحبها بمادة كيميائية وكتابة اسمه فوق المسح وتكملة ختم الشهادة على صورته بالقلم.

جرائم أبو طبر

بعد ان تم القبض على ابو طبر اعترف بأنه ارتكب الحوادث التالية

  1. قتل شخص يهودي يجهل اسمه في منطقة البتاويين كان يظنه من الأثرياء لكن بعد تنفيذ جريمته وجده لا يملك شيئاً.
  2. جريمة قتل المجني عليها المرحومة (ماجدة الحمامي) زوجة المدعو (رشيد مراد رشيد) في المنصور بالاشتراك مع ابن شقيقته (حسين علي حسون), حيث دخل المجرم حاتم الدار وصادفته المجني عليها فقام بمسكها وشد وثاقها وكمم فمها واستفسر منها عن مكان المصوغات والنقود إلا أنها امتنعت فما كان منه إلا أن يعاجلها بضربة واحدة بـ (هيم) حديدي يحمله فلفظت أنفاسها, ثم قام بتفتيش الدار مع شريكه إلا أنهما لم يعثرا على شيء سوى قطع زوالي قاما بوضعها في سيارة المجني عليها ونقلاها إلى دارهما في أم الطبول ومن ثم قاما بترك السيارة في منطقة العامرية وعاد بسيارة أجرة إلى داره.
  3. يوم 4/9/1973 ارتكب جريمة قتل عميد الشرطة المتقاعد بشير أحمد السلمان وعائلته بمدينة الشرطة الأولى (قرب النفق) حيث دخل (حاتم) الدار مع ابن شقيقته (حسين) عن طريق تسلق الجدار إلى الدار المجاورة وبقي بحديقة الدار من الساعة الواحدة ظهراً حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل, ومن خلال دار الجيران تسلق (حاتم) الجدار عن طريق السخان ثم فتحة التبريد لسطح دار المجني عليه (بشير) وعائلته, وكانوا نائمين على سطح الدار (كما هي عادة اهل بغداد في الصيف بسبب الحرارة), وبعد أن تأكد من أنهم جميعاً نائمين بدأ بقتلهم مبتدئاً بـ (بشير) حيث ضربه على رأسه, ثم زوجة بشير (بشرى أحمد خليل) معلمة في مدرسة الازدهار, وقتل ابنهما (أحمد) 12 سنة طالب في الصف الرابع الابتدائي, وقتل شخصاً رابعاً تبين أنه (إحسان جميل احمد) 21 سنة طالب جامعة وهو ابن شقيق زوجة بشير إذ ضيفاً لديهم, ثم قام مع ابن شقيقته (حسين) بإنزال الجثث من السطح لداخل الدار ووضعوهم في بانيو الحمام, أما الامرأة فقد وضعها على سرير المنام ثم نقلا المسروقات بسيارة المجني عليه لدارهما ومن ثم قاما بترك السيارة خلف مستشفى اليرموك.
  4. أواخر أيلول 1973 ارتكب جريمة قتل عائلة المدعو (جان آرنيست) بمنطقة كرادة مريم (على مبعدة 200م عن بوابة القصر الجمهوري عند الجسر المعلق) بعد أن قام بالترصد والتأكد من قلة عدد أفراد الدار, وكان يصطحب عدته المعهودة التي استعملها في معظم جرائمه والمكونة من (قضيب حديدي) ومسدس وقفازات, وذهب للدار حوالي 1 ظهراً وبصحبته ابن شقيقته (حسين) وحين دخل حاتم الباب الخارجي وطرق الباب الداخلي فتحت له صاحبة الدار الباب وبادرها بسؤال سريع (من منكم مسافر خارج العراق؟) أجابته: (نحن مسافرون غدا) وحين لاحظ أن الشكوك تبدو على الامرأة تجاهه عالجها بضربة بالقضيب الحديدي على رأسها أسقطتها صريعة أرضاً , ومن ثم جاءت ابنتها فضربها على رأسها وسقطت صريعة على الأرض, ثم قام بفتح الباب لابن شقيقته (حسين) وانتقلا لغرف الدار فوجدا بنتاً اخرى نائمة بالفراش فضربها بنفس الآلة, وقام وابن شقيقته بسرقة بعض الأغراض من البيت نقلاها بسيارة المجني عليها إلى دارهما في أم الطبول, وبعد ان افرغ محتويات السيارة من المواد المسروقة قام بسياقة السيارة الى منطقة مدينة الشرطة, وهناك ترك السيارة وعاد الى داره بسيارة أجرة وكان حاتم خلال عملية ضرب المجني عليهن بالقضيب الحديدي قد أخطأ وأصاب ابن شقيقته (حسين) إصابة جعلته ينزف دماً في الدار, وقد انتبه خبراء الأدلة الجنائية فيما بعد إلى وجود دماء في الدار لا يطابق صنفها مع دم المجني عليهن.
  5. أما آخر جريمة قتل ارتكبها فهي قيامه بقتل حلاق (يجهل اسمه) في منطقة النعيرية والكيارة, وقام بسرقة مخشلات ذهبية ونقود وأثاث وسجاد وذلك بسيارة المجني عليه وتركها في منطقة الشعلة, وقد اشترك معه في ارتكاب الجريمة قريبه المدعو حمد عبد المهدي.

كان أشقاء (حاتم) كل من حازم وغالب ووالدتهم وزوجة حاتم يشاركونه في جرائمه من خلال معاونته بتصريف المواد المسروقة والتستر على أفعاله الجرمية, حين وجه المحقق سؤاله إلى حاتم: أليس بإمكانكم أن تنفذوا ما تريدون من جرائم سرقة دون اللجوء إلى القتل؟ أجاب حاتم: سبب لجوئي إلى القتل يعود لسببين: الأول إن الخطة التي كنت ارسمها لدخول الدار مقتحماً وسيكون أصحاب الدار في حالة يقظة, والحالة هذه لا أستطيع أن أقوم بالسرقة أو الاغتصاب إلا عن طريق القضاء على من في الدار, ومن ناحية أخرى إن قتل أهل الدار يفسح المجال لي للتصرف بحرية, بالإضافة إلى عامل آخر هو إني كنت تحت ظروف نفسية تدفعني للقتل حتى ولو تطلب الأمر شرب دماء البشر.

منع تجوال في بغداد وتفتيش المساكن

على أثر المعلومات التي قدمها الخبراء الاجانب عن مواصفات الجاني (من حيث الطول خاصة) جرت حملة شاملة في الأول من تشرين الأول 1973 الموافق 3 رمضان, وصادف يوم جمعة إعلان منع تجول شامل في عموم بغداد وتم إغلاق مطار بغداد الدولي في وجه حركة الملاحة الجوية, وقاد الحملة طه ياسين رمضان وتم تقسيم بغداد لقطاعات, ساهم في الحملة مسؤولون حزبيون إضافة الى الأجهزة الأمنية والشرطة وتم تفتيش جميع الدور في بغداد للبحث عن اشخاص بمثل مواصفات أبو طبر التي أعطاها الخبراء الروس والفرنسيون لكن بدون أي نتيجة (القاتل حاتم كاظم هضم كان قد شارك مع الحزبيين في منطقة البياع والعامل وأم الطبول في حملة التفتيش باعتباره من الرفاق في المنطقة).

استمرت القناعة الحكومية أن للحوادث أبعاد سياسية حتى حين تم القبض على حاتم كاظم هضم من قبل الشرطة لم تقتنع السلطة بتحقيقات الشرطة, وخشيت ان تقوم الشرطة بـ (لفلفة) الموضوع فأمرت بإحالة التحقيق الى جهاز المخابرات, ومع ذلك لم يتم التوصل الى الأبعاد أو الدوافع السياسية للحوادث ولم يظهر وجود صلة لأبي طبر مع مخابرات أجنبية أو عناصر سياسية.

الأجهزة الامنية والتحقيقية في تلك المرحلة وبسبب حالة الارباك والفوضى والنقد الشعبي الواسع وحالة الرعب التي أصابت الناس كانت تستعجل القبض على أشخاص تحت طائلة الشبهة والشك, بمن فيهم المسجلين سابقا او المتهمين بحوادث عادية لأنها كانت تقع تحت ضغط السلطة والناس للاستعجال بكشف المجرم, وكثير من الأبرياء بمن فيهم أشخاص ذوي صلة بالضحايا نالوا إجراءات قاسية تصل للاعتقال والتعذيب بسبب التوسع في دائرة الشك من قبل الاجهزة إلى أن قامت حرب تشرين (10 رمضان) فانشغل الناس في أخبار الحرب ونسوا قضية أبو طبر, وهو أيضا ترك ارتكاب الجرائم من تشرين الاول 1973 الى أيلول 1974 حيث تم القبض عليه.

القبض على أبو طبر

استخبرت سيطرة النجدة الساعة 14.55 بعد ظهر يوم 30/3/1974 هاتفياً من عائلة أميل رؤوف مخبرين بوجود لص داخل الدار المجاورة لهم, الواقعة في شارع الصناعة والعائدة للدكتور يوسف بولص بيدروس الجادرجي وحضرت دورية النجدة وقبضت على المدعو (حاتم كاظم هضم) الذي أدعى في البداية أنه ضابط طيار متقاعد مما أثار شكوك الدورية, ثم تراجع وقال أنه صاحب محل في ناحية الاسكندرية وقد سلمته دورية النجدة لمكتب مكافحة الإجرام بالكرادة وهناك اعترف أنه دخل الدار وهي خالية من ساكنيها عن طريق كسر الباب وخلع الشباك, وقام بتجميع المواد الثمينة تمهيداً لنقلها وعثر بحوزته على مسدس5 ملم وشاجور و6 طلاقات ودرنفيس وشيش حديد (قضيب) وحربة وسلك طويل نهايته (جنكال).

عند انتقال هيئة التحقيق لدار المتهم (حاتم) عثروا على كثير من المسروقات التي تطابق أوصاف المواد المسروقة من دور الضحايا, وكانت اللجنة تبحث عن سروال من قماش نادر ثمين كان الجاني قد سرقه من دار المدعو (جان آرنيست) وقد ضبط السروال في دار المتهم غالب كما تم ضبط راديو مسجل نادر مسروق من دار جان آرنست, كما عثر على تلفزيون صغير سرق من دار ماجدة الحمامي ومعه منشفة حمام كان المجرم قد حملها مع الجهاز.

إعدام أبو طبر

في مقابلة نشرت في مجلة ألف باء 20 آب 1980 أكد الدكتور وصفي محمد على أنه أجرى الكشف الطبي على جثة المعدوم حاتم كاظم (الشهير بأبي طبر) بعد إحالة الجثة للطب العدلي بعد تنفيذ حكم الاعدام بحقه ومن معه من المشاركين في الجرائم.

إذا أعجبتك المقالة, يمكنك مشاركتها عبر صفحتك في مواقع التواصل الإجتماعي
‫0 تعليق

اترك تعليقاً