مذبحة في منزل ساحر – لغز حيّر أمريكا منذ مئة عام

من ضمن أقدم قضايا القتل الجماعي غير المحلولة، وفي سياق مذابح الفأس المرعبة، رغم أنها خارجة زمنيا عن التحديد الزمني (1909-920م)، وأشدها غرابة هي المذبحة التي وقعت ليلة 3 يوليو 1929م، والتي ترافقت مع عناصر إثارة كاملة من شخصية القتيل الغامضة وعمله كمعالج روحاني وساحر، وغموض جريمة مقتله هو وجميع أفراد عائلته، بالإضافة إلي حقيقة أن الجاني لم يُقبض عليه أبدا!

البداية

وصل “بنجامين ايفانجليستا” إلي الولايات المتحدة عام 1904م وهو في عمر التاسعة عشرة، استقر في ديترويت ،وغير اسمه إلي “بيني ايفانجليست” Benny Evangelist ،وبدأ عمله كنجار محلي، في نفس الوقت راح يزعم أنه يري رؤي من الرب، وبدأ في وضع كتاب يخلط المعارف السحرية بمبادئ الصوفية بالروحانية وسماه (أقدم تاريخ للعالم ) The Oldest History of the World”,وظهر في أربعة أجزاء, وبدأ يعمل في مجال العلاج الروحاني ووضع في منزله أجهزة غريبة تشكل الكواكب السبعة وعين غريبة ضخمة تضيء بواسطة الكهرباء، وكان أجره عن كل جلسة علاج روحاني هو عشرة دولارات، وفي فترة قصيرة جمع المهاجر مجدود الحظ مبلغا وفيرا من المال و تزوج ” ايفانجليست” وزرق بأربعة أطفال.

لا يعرف أحد ما إذا كان “بيني ” قد استجلب على نفسه عداوات بمعالجته الروحانية, قيل أن عددا ممن حضروا جلساته كانوا على خلاف معه أو أنهم أصيبوا بخيبة أمل, ربما كانت في الأمر شبهة (نصب باستعمال الشعوذة ) لكن المهم أن السيد ” ايفانجليست” لم يتخلى عن عمله كنجار, وكان يوم 2 يوليو(يوم واحد قبل وقوع الجريمة) قد اتفق على شراء الخشب من منزل يجري هدمه, وكان من المفترض أن يأتي صبيحة اليوم التالي لتسلم الأخشاب, لكنه لم يظهر أبدا وبدأ الناس يتساءلون عن سبب اختفاء عائلة “ايفانجليست” وشرعوا في دق بابهم للاطمئنان عليهم, وكالعادة في مثل هذه الحالاتفبعد أن ييأس الناس من الحصول على إجابةيشرعون في اقتحام المنزل وهذا ما حدث, وجد الاهالي سيد المنزل في المكتب, جالسا خلف مكتبه يداه مطويتان و بكامل ملابسه, غير أن شيئا واحدا كان ينقصه .. هو رأسه!

فقد كان الرأس مقطوعا ومرميا على الأرض بجواره, وفي الطابق الأعلى وجدوا الأطفال أكبرهم في السابعة وأصغرهم سنة واحدة مقتولين ذبحا في غرفة منفصلة, وفي غرفة النوم الكبيرة وجدوا السيدة ” ايفانجليست” قتيلة وبجوارها طفلها ذو الثمانية عشر شهرا مهشم الرأس أيضا! .. كانت الجريمة مروعة وغريبة في هذه السنوات, عائلة بأكملها تم ذبحها ،لكن لماذا ؟!

النظريات

ظهرت عدة نظريات لتفسير لغز جريمة عائلة ” ايفانجليست” والتي وقعت في منزلهم بشارع القديس “أوبين”:

1. نظرية القتل بدافع السرقة

الفرض الأول أن الجريمة وقعت رغبة في نهب المال الموجود بالمنزل, إذ كان لدي العائلة قدر طيب من الأموال، لكن طريقة القتل بوحشيتها المفرطة تدل على أن السرقة لا يمكن أن تكون وحدها سبب دافع اقتحام المنزل وقتل منفيه!

2. فرضية القتل بدافع الهرطقة

اقترح البعض أن المعالج الروحانيتم قتله بتهمة الهرطقة والتجديف نتيجة بعض ما جاء في كتابه المذكور, والذي أعتبره البعض محاولة لوضع كتاب مقدس جديد!

3. فرضية القتل الطقوسي أو السحري

وهي أكثر الفرضيات رهبة وإثارة إذ يظن بعض دارسي القضية أن أسلوب القتل وتهشيم الجمجمة وفصل الرأس يشير إلي جريمة طقوسية, ربما نفذها البعض للتخلص من تأثير سحري للروحاني غريب الأطوار, أو أنه من عمل بعض المتضررين من علاجه.

آخر التفسيرات وربما أقربها إلي الواقع هو الذي يربط جريمة عائلة ” ايفانجليست” بسلسلة جرائم دموية شهدتها ولايات لويزيانا وتكساس بين عامي 1911 و 1912م, وتضمنت ذبح عائلات بأسرها خلال نومها واستعمال الفأس في الإجهاز على الضحايا .. تلك الجرائم المرعبة التي انتشرت شائعات ربطتها بكاهنة فودو مشوهة, تمارس السحر الأسود وتقدم ضحاياها كقرابين للشيطان, وجماعة عبادة سرية مخيفة والتي أتهم فيها عدة أشخاص قبل أن تتبين الحقيقة المفجعة والغريبة, إذ أن القاتل المتوحش الذي هاجم عائلات بأكملها وذبحهم من الوريد إلي الوريد،أو حطم رؤوسهم بفأس تاركا إشارات طقوسية وأحيانا مقاطع من الإنجيل مكتوبة على الجدران بالدم لم يكن سوي امرأة!

“كليمنتين بارنابي ” Clementine Barnabet،التي ارتكبت عدة جرائم قتل جماعية كانت حصيلتها خمسة وثلاثين ضحية, والتي حامت الشبهات حول والدها في البداية، لكن وقوع جريمة جديدة أثناء حجره من قبل الشرطة أدّى إلي التأكد من كونه بريئا .. في النهاية اعترفت ابنة الثامنة عشرة بأنها هي السفاحة, وبررت جرائمها بتلقيها قوى سحرية من قبل كهنة كنيسة تسمى (كنيسة المسيح المقدسة ), والتي تجعلهم قادرين على الاختفاء بواسطة تلك القوى لتتمكّن من دخول المنازل والإجهاز على سكانها كلهم .. قبض على “كليمنتين ” عام 1912م وبقيت في السجن حتى عام 1923م!!! ثم أطلق سراحها لتختفي تماما بعدها.

وإذا ما تجاهلنا ادعاءات “كليمنتين” غير القابلة للتصديق فهل يمكن اعتبار روايتها محض هراء وجنون من فتاة غير سوية عقليا؟ هل يكون شقيقها “زفيرين” الذي شهد زوراً ضد أبيه حين تم اتهامه بجرائم القتل بالفأس, هو القاتل الحقيقي؟ وأقنع أخته بالاعتراف بتلك الجرائم ليفلت هو من العقاب؟ في كل الحالات يبقي سؤالان هامان:

إذا كانت “كليمنتين بارنابي” كاذبة في قصتها فكيف كانت تلك العائلات كلها وفيها رجال أقوياء ونساء في سن الشباب تتعرض للقتل في أسرتها, دون أن تظهر علامة مقاومة أو محاولة استغاثة واحدة ؟!

ثانيا, إذا كانت جريمة عائلة “ايفانجليست” ليست من عمل “بارنابي ” فمن هو المجرم الذي نفذها إذن ؟!

كلها أسئلة بدون حل .. وحتى مصير ” كليمنتين بارنابي” عقب خروجها من السجن يبقي مجهولا حتى يومنا هذا .. ولا أحد يعرف ما إذا كانت قد واصلت تقديم قرابينها الدموية أم لا…